وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.... حكم النّمص عند جماهير علماء الإسلام وتفسيرهم لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « لعن الله النّامصات والمتنمّصات» . 1 • مذهب أبي حنيفة : قال ابن عابدين في "حاشيته" (5/239) : ( النامصة التي تنتف الشعر من الوجه ، والمتنمصة التي يُفعل بها ذلك ... ولعله محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب وإلا فلو كان في وجهها شعر ينفر زوجها عنها بسببه ففي تحريم إزالته بُعدٌ، لأن الزينة مطلوبة للنساء ... ). وقال ابن نجيم في "البحر الرائق" (8/233) : ( ويجوز للمرأة أن تلقي الأذى عن وجهها ). وقال العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (2/193) : ( ولا تمنع الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج وكذا أخذ الشعر منه ). قلتُ : ومن أصولهم في هذا ما في "كتاب الآثار"لأبي يوسف (1/236/1047 ) عن أبي حنيفة عن حمّاد عن إبراهيم عن عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا سَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ عَنِ الْحَفِّ ؟ فَقَالَتْ: أَمِيطِي الْأَذَى عَنْ وَجْهِكِ ). 2 • مذهب مالك : قال القرطبي في "المفهم في شرح صحيح مسلم" (5/444) : ( وهذه الأمور [ أي: الوشم والوصل والنمص والفلج ] كلها قد شهدت الأحاديث بلعن فاعلها وأنها من الكبائر، واختلف في المعنى الذي لأجله نهي عنها -. فقيل: لأنها من باب التدليس. وقيل من باب تغيير خلق الله... ولذلك قال علماؤنا : هذا المنهي عنه المتوعد على فعله: إنما هو فيما يكون باقياً [ أي التّغيير الّذي يبقى ولا يتجدّد معه نبات الشّعر ونحوه ]؛ لأنه من باب تغيير خلق الله، فأما ما لا يكون باقياً كالكُحْل والتزيّن به للنساء: فقد أجازه العلماء: مالك وغيره ) . وقال القاضي عياض : ( رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رُخْصَةٌ فِي جَوَازِ النَّمْصِ وَحَفِّ الْمَرْأَةِ جَبِينَهَا لِزَوْجِهَا وَقَالَتْ: أَمِيطِي عَنْك الْأَذَى ) ـ كذا في "شرح مختصر خليل للمواق ـ الموسوم بالتاج والإكليل"1/286. وقال النفراوي في "شرح الرّسالة ـ الموسوم بالفواكه الدواني" (2/314 ) : ( التنميصُ هو نتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقًا حسنًا، ولكن رُوي عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه وهو الموافق لما مر من أَن المعتمد جواز حلق جميع شعر المرأَة ما عدا شعر رأسها، وعليه فيحمل ما في الحديث على المرأَة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها كالمتوفى عنها والمفقود زوجها ... قال خليل : وتركت المتوفى عنها فقط وإِن صغرت ولو كتابية ومفقودا زوجها التزيّن ... ). وقال العدوي في " حاشيته على شرح الرسالة" (2/459) : ( قوله: "والمتنمّصات" ... جمع متنمصة وهي التي تنتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقا حسنا، والنهي محمول على المرأَة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها كالمتوفى عنها والمفقود زوجها فلا ينافي ما ورد عن عَائِشَةَ من جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه ). ثمّ نقل (2/460) عن : الشهاب القرافي من "الذخيرة" (13/314) قوله : ( لم أر للفقهاء الشافعية والمالكية وغيرهم في تعليل هذا الحديث إلا أنه تدليس على الزوج لتكثير الصداق ، ويشكل ذلك إذا كانوا عالمين به وبالوشم فإنه ليس فيه تدليس ، وما في الحديث من تغيير خلق الله لم أفهم معناه فإن التغيير للجمال غير منكر في الشرع كالختان وقص الظفر والشعر وصبغ الحناء وصبغ الشعر وغير ذلك ). 3 • مذهب الشّافعيّ : قال الماوردي في "الحاوي الكبير" (2/257) : ( فأما النامصة ، والمتنمصة : فهي التي تأخذ الشعر من حول الحاجبين وأعالي الجبهة ، والنهي في هذا كله على معنى النهي في الواصلة ، والمستوصلة" ) وذكر قبل ذلك أنه يحرم للتدليس وأنه يجوز لذات الزوج أن تفعله للزينة فقال: ( أَنْ أن تكون أمة مبيعة تقصد به غرور المشتري ، أَوْ حُرَّةٌ تَخْطُبُ الْأَزْوَاجَ تَقْصِدُ بِهِ تَدْلِيسَ نَفْسِهَا عَلَيْهِمْ ، فَهَذَا حَرَامٌ لِعُمُومِ النَّهْيِ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلزِّينَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا ، أَوْ أَمَةً تَفْعَلُ ذَلِكَ لِسَيِّدِهَا ، فَهَذَا غَيْرُ حَرَامٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ الزِّينَةِ لِزَوْجِهَا مِنَ الْكُحْلِ ، وَالْخِضَابِ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} أَنَّهُ قَالَ : لُعِنَ السَّلْتَاءُ وَالْمَرْهَاءُ فَالسَّلْتَاءُ الَّتِي لَا تَخْتَضِبُ ، وَالْمَرْهَاءُ الَّتِي لَا تَكْتَحِلُ ، يُرِيدُ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كَرَاهَةً لِزَوْجِهَا ، فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ زِينَةً لَهُ فَكَذَلِكَ صِلَةُ الشَّعْرِ لِاجْتِمَاعِ ذَلِكَ فِي الزِّينَةِ ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِكُلِّ حَالٍ : لِأَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَصَحُّ ). وقال الرَّمْلي في "نهاية المحتاج" (2/25) : ( والتنميص: وهو الأخذ من شعر الوجه والحاجب المُحَسِّن، فإن أذن لها زوجها أو سيدها في ذلك جاز ؛ لأن له غرضاً في تزيينها له، كما في ((الروضة)) وأصلها. وهو الأَوْجَه ). وفي" شرح روض الطالب من أسنى المطالب للإمام أبي يحيى زكريا الأنصاري" (1/173) قال : (ويحرم) على المرأة (التنميص) فعلاً وسؤال للخبر الصحيح السابق " "لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة والنامصة والمتنمصة”. إلا بإذن زوج أو سيد ( وهو الأخذ من شعر الوجه أو الحاجب ) للحسن . وقال الخطّابي ـ كما في "الفتح" ـ ( 10/393) : ( إنما ورد الوعيد الشديد في هذه الأشياء، لما فيها من الغش والخداع، ولو رخص في شيء منها لكان وسيلة إلى استجازة غيرها من أنواع الغش، ولما فيها من تغيير الخلقة، وإلى ذلك الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله "المغيرات خلق الله" ). وقال النووي في: "شرح مسلم" (14/ 151): ( وأما النامصة بالصاد المهملة فهي التي تزيل الشعر من الوجه، والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها. وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها، بل يستحب عندنا ). لكن تَعَقَّبه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/ 391) فقال: ( وإطلاقه مقيّد بإذن الزوج وعلمه، وإلا فمتى خلا عن ذلك مُنع للتدليس ، وقال بعض الحنابلة ان كان النمص أشهر شعارا للفواجر وامتنع وإلا فيكون تنزيها وفي رواية : يجوز بإذن الزوج إلا إن وقع به تدليس فيحرم قالوا : ويجوز الحف والتحمير والنقش والتطريف إذا كان بإذن الزوج لأنه من الزينة ). 4 • مذهب أحمد : روى الخلال في " كتاب التّرجّل" (225) عن محمد بن عبد الله بن إبراهيم : أن أبا عبد الله [ أي الإمام أحمد ] سئل عن النامصة والمتنمصة؟ فقال: هي التي تنتف الشعر، فأما الحلق فلا، قيل له: فما تقول في النتف؟ قال: الحلق غير النتف، النتف = تغيير، فرخّص في الحلق. وروى أيضًا عن إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله [ أي الإمام أحمد ] تحف المرأة جبينها؟ قال: أكره النتف والحلق ليس به بأس. وروى مهنّا أنه سأل أبا عبد الله ـ أي أحمد بن حنبل ـ عن الحف ، فقال : ليس به بأس للنساء . قال : وسأله عن النتف ، فقال : أكرهه للرجال والنساء . وقد كان أحمد يأخذ من حاجبه وعارضه . وقال ابن مفلح في "الفروع (1/130) : " ( وأخذ أحمد من حاجبيه وعارضيه، نقله ابن هانئ) . ولهذا قال ابن قدامة في "المغني" (1/107): ( فأما النامصة فهي التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمصة: المنتوف شعرها بأمرها، فلا يجوز للخبر. وإن حُلِق الشعر فلا بأس لأن الخبر إنما ورد في النتف. نصّ على هذا أحمد ). وقال أيضاً (1/105) : ( فأما حلق الوجه فقال أحمد: ليس به بأس للنساء وأكرهه للرجال ). وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/339) : ( ويكره للرجل نتف شعر وجهه ولو بمنقاش ... ويكره نتفه – أي للمرأة – سواء كان لها زوج أو لم يكن .. وقال المروذي : وكره – يعني أحمد – أن يؤخذ الشعر بمنقاش من الوجه ) . وقال المرداوي في "الإنصاف (1/126) : (ولها حلقه وحفّه، نصّ عليه ، وتحسينه بتحمير ونحوه ، وكره ابن عقيل حفّه كالرجل فإن أحمد كرهه له ) . وقال في "الفروع (1/130) : ( وفي: "الغنية" : يجوز بطلب زوج ). وكذا حكاه البهوتي في "كشاف القناع" (1/82) عن "الغنية" ونصّ : الشّيخ عبد القادر في "الغنية" (1/113) : ( وأمَّا المرأة فيكره لها حف جبينها بالزجاج والموسى والشعر الخارج عن وجهها لما تقدم من النهي عن ذلك. وقيل يجوز لها ذلك لزوجها خاصة إذا طلب إليها ذلك وخافت إن لم تفعله أعرض عنها وتزوج بغيرها فأدى إلى الفساد والمضرة بها فيجوز لها ذلك لما فيه من المصلحة كما جوَّز لها التزيين بألوان الثياب والتطيب بأنواع الطيب والتشوق له والملاعبة والممازحة معه فعلى هذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتنمصات على اللواتي أردن بذلك غير أزواجهن للفجور بهن والميل إليهن وتروج أنفسهن للزنا. والله أعلم ). وحكى ابن الجوزي في "أحكام النساء" (ص/342) عن شيخه الأنماطي قال: ( إذا أخذت المرأة الشعر من وجهها لأجل زوجها بعد رؤيته إياها فلا بأس به، وإنما يُذَم إذا فعلته قبل أن يراها؛ لأن فيه تدليساً ) . بل قال ابن الجوزي نفسه (ص/341): ( وظاهر هذه الأحاديث تحريم هذه الأشياء التي نهي عنها على كل حال، وقد أخذ بإطلاق ذلك ابن مسعود على ما روينا. ويحتمل أن يحمل ذلك على أحد ثلاثة أشياء: إما أن يكون ذلك قد كان شعار الفاجرات، فيكن المقصودات به. أو أن يكون مفعولاً للتدليس على الرجل: فهذا لا يجوز. أو أن يكون يتضمن تغيير خلق الله تعالى، كالوشم الذي يؤذي اليد ويؤلمها، ولا يكاد يستحسن. وربما أثر القشر في الجلد تَحَسُّناً في العاجل، ثم يتأذى به الجلد فيما بعد. وأما الأدوية التي تزيل الكُلَفَ، وتُحَسِّن الوجه للزوج: فلا أرى بها بأساً. وكذلك أخذ الشعر من الوجه للتَّحَسُّن للزوج، ويكون حديث النامصة محمولاً على أحد الوجهين الأولين ) . وفي "الموسوعة الفقهية" (15/69): ( وجمهور العلماء على أنّ النّهي في الحديث ليس عامّا ، وذهب ابن مسعود وابن جرير الطّبريّ إلى عموم النّهي ، وأنّ التّنمّص حرام على كلّ حال . وذهب الجمهور إلى أنّه لا يجوز التّنمّص لغير المتزوّجة ، وأجاز بعضهم لغير المتزوّجة فعل ذلك إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب ، بشرط أن لا يكون فيه تدليس على الآخرين . قال العدويّ : والنّهي محمول على المرأة المنهيّة عن استعمال ما هو زينة لها ، كالمتوفّى عنها والمفقود زوجها . أمّا المرأة المتزوّجة فيرى جمهور الفقهاء أنّه يجوز لها التّنمّص ، إذا كان بإذن الزّوج ، أو دلّت قرينة على ذلك ، لأنّه من الزّينة ، والزّينة مطلوبة للتّحصين ، والمرأة مأمورة بها شرعا لزوجها . ودليلهم ما روته بكرة بنت عقبة أنّها سألت عائشة رضي الله عنها عن الحفاف ، فقالت : إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن ممّا هما فافعلي . وذهب الحنابلة إلى عدم جواز التّنمّص - وهو النّتف - ولو كان بإذن الزّوج ، وإلى جواز الحفّ والحلق .وخالفهم ابن الجوزيّ فأباحه ، وحمل النّهي على التّدليس ،أو على أنّه كان شعار الفاجرات ) . وقال ابن عاشور في "التّحرير والتّنزير" (4/38) : ( وأمّا ما ورد في السنّة من لعن الواصلات والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن فممّا أشكل تأويله . وأحسب تأويله أنّ الغرض منه النهي عن سمات كانت تعدّ من سمات العواهر في ذلك العهد، أو من سمات المشركات ، وإلاّ فلو فرضنا هذه مَنهيّاً عنها لَما بلغ النهي إلى حدّ لَعن فاعلات ذلك ). وقال في "مقاصد الشريعة الإسلامية" (ص91): ( ووجهه عندي - الذي لم أر من أفصح عنه - أن تلك الأحوال كانت في العرب أمارات على ضعف حصانة المرأة، فالنهي عنها نهي عن الباعث عليها أو عن التعرض لهتك العرض بسببها ).