: قضاء مبرم، وقضاء معلق، الفرق بينهما فيقول الله تبارك وتعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب}. فهذه الآية الكريمة تدل على أن القضاء ينقسم إلى قسمين: الأول: قضاء قابل للرد. والثاني: قضاء مبرم لا يرد. فالشطر الأول من الآية الكريمة يدل على القسم الأول: حيث يقول: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ}. وهذا ما أكده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم بقوله: (لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ) رواه الترمذي عن سلمان رضي الله عنه.أما الشطر الثاني من الآية الكريمة فإنه يدل على القسم الثاني، حيث يقول الله عز وجل: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب}. وهو من القضاء المبرم المثبت في اللوح المحفوظ، وهذا القسم لا يرد ولا يبدل، كما قال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}. والقضاء بقسميه غيب بالنسبة لنا، لا ندري أيهما المعلق وأيهما المبرم إلا ما أخبرنا الله عز وجل عنه في القرآن العظيم وفي السنة المطهرة، من جملة ذلك أخبرنا الله تعالى عن بعض القضاء المبرم مثل قوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}. ومثل قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان}. ومثل قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون}. ومثل قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ) رواه البخاري عن عبد الله رضي الله عنه. فالقضاء بشقيه غيب بالنسبة لنا، ولكن الله تعالى بعلمه السابق الأزلي يعلم بأن هذا العبد سيحصل له أمر كذا وسوف يدعو ربه فيصرفه عنه، ويعلم بأنه سيمرض فيأخذ دواء فيشفى بإذن الله تعالى، فهذا كله يكتب ويمحى ويُثبت ربنا عز وجل النتائج في اللوح المحفوظ. وكما يعلم ربنا عز وجل بأن هناك أمراً مبرماً سينزل بالعبد ولا يَردُ هذا الأمر دعاءٌ ولا سببٌ من الأسباب كالموت. فالقضاء بشقيه المبرم والمعلق هذا ظاهر بالنسبة للَّوح المحفوظ، أما بالنسبة لعلم الله تعالى فجميع الأشياء مبرمة، لأنه تبارك وتعالى إن علم حصول المعلق عليه حصل المعلق ولا بدَّ، وإن علم الله تعالى عدم حصوله لم يحصل ولا بدَّ، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون}. وعلى كل حال، هذا الأمر لا يعفى العبد من الأخذ بالأسباب والوسائل التي شرعها الله تعالى له من أجل حصول الهداية والفلاح والنجاح والفوز بسعادة الدنيا والآخرة اتكالاً على القضاء المبرم الذي هو غيب بالنسبة لنا، كما لا يترك الطعام والشراب اتكالاً على إبرام الله الأمر في الشبع والريِّ، لأن العبد لا يدري ما كتب الله على هذا العبد من نتائج، ولذلك عليه بالدعاء والأخذ بالأسباب وهي وظيفة العبد، وبعد ذلك يفوض العبد أمره إلى الله تعالى، ويسأل الله تعالى اللطف فيه. هذا، والله تعالى أعلم.